فصل: (لَمَا) الْمُخَفَّفَةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.(لَوْمَا):

هِيَ قَرِيبٌ مِنْ لَوْلَا كَقَوْلِهِ تعالى: {لو ما تأتينا بالملائكة} قَالَ ابْنُ فَارِسٌ هِيَ بِمَعْنَى هَلَّا.

.(لَمْ):

نَفْيٌ لِلْمُضَارِعِ وَقَلْبُهُ مَاضِيًا وَتَجْزِمُهُ نَحْوُ: {لم يلد ولم يولد}.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَنْصِبُ بِهَا وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ: {ألم نشرح} بِفَتْحِ الْحَاءِ وَخَرَجَتْ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَفُتِحَ لَهَا مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حذفت ونويت.

.(لَمَّا):

عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: تَدْخُلُ عَلَى المضارع فتجزمه وتقبله مَاضِيًا كَـ: (لَمْ) نَحْوُ: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الذين جاهدوا منكم} بل لما يذوقوا عذاب.
أَيْ لَمْ يَذُوقُوهُ: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خلوا من قبلكم}.
لَكِنَّهَا تُفَارِقُ لَمْ مِنْ جِهَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ لم لنفي فعل ولما لِنَفْيِ قَدْ فَعَلَ فَالْمَنْفِيُّ بِهَا آكَدُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ لَمَّا مُرَكَّبَةٌ مِنْ (لَمْ) و: (ما) هي نَقِيضَةُ (قَدْ) وَتَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنْتَظَرِ.
وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ أَبِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ قَالَ أَصْلُ (لَمَّا) (لَمْ) زِيدَتْ عَلَيْهَا (مَا) فصارت نفيا تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ بِالنَّفْيِ لَمْ يَقُمْ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَامَ قَالَ لَمَّا يَقُمْ لَمَّا زَادَ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ زَادَ فِي النَّفْيِ مَا إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا رَكَّبُوا لَمْ مَعَ مَا حَدَثَ لَهَا مَعْنًى وَلَفْظٌ أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّهَا صَارَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ظَرْفًا فَقَالُوا لَمَّا قُمْتَ قَامَ زَيْدٌ أَيْ وَقْتَ قِيَامِكَ قَامَ زَيْدٌ وَأَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا دُونَ مَجْزُومِهَا نَحْوَ جِئْتُكَ وَلَمَّا أَيْ وَلَمَّا تَجِئْ انْتَهَى.
وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ ثَلَاثَةُ فُرُوقٍ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَكَوْنُهَا قَدْ تَقَعُ اسْمًا هُوَ ظَرْفٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الوقف عليها دون النفي بخلاف لم.
وَرَابِعُهَا: يَجِيءُ اتِّصَالُ مَنْفِيِّهَا، بِالْحَالِ وَالْمَنْفِيُّ بِلَمْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُنْقَطِعًا نَحْوُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شيئا مذكورا}، وَقَدْ يَكُونُ مُتَّصِلًا نَحْوُ: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رب شقيا}.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ لَمَّا يَجُوزُ حَذْفُهُ اختيارا.
سَادِسُهَا: أَنَّ لَمْ تُصَاحِبُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ لَمَّا فَلَا يُقَالُ إِنْ لَمَّا يَقُمْ وَفِي التنزيل: {وإن لم تفعل}، {وإن لم ينتهوا}.
سَابِعُهَا: أَنَّ مَنْفِيَّ لَمَّا مُتَوَقَّعٌ ثُبُوتُهُ بِخِلَافِ مَنْفِيِّ لَمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى: {بَلْ لما يذوقوا عذاب}.
أَنَّهُمْ لَمْ يَذُوقُوهُ إِلَى الْآنَ وَأَنَّ ذَوْقَهُمْ لَهُ مُتَوَقَّعٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ولما يدخل الأيمان في قلوبكم}. مَا فِي لَمَّا مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ.
وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ دَلَالَةَ لَمَّا عَلَى التَّوَقُّعِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدُ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَمَّا لَيْسَتْ لِنَفْيِ الْمُتَوَقَّعِ حَيْثُ يُسْتَبْعَدُ تَوَقُّعُهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِنَفْيِ الْفِعْلِ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا أَنَّ قَدْ لِإِثْبَاتِ الْفِعْلِ الْمُتَوَقَّعِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ إِنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِـ: (قَدْ فَعَلَ) أَيْ يُجَابُ بِهَا فِي النَّفْيِ حَيْثُ يجاب بـ: (قد) فِي الْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ جَاءَتْ لَمَّا بَعْدَ فِعْلٍ يَقُولُ الْقَائِلُ لَمَّا يَفْعَلْ فتقول قد فعل.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ عَلَى مَاضٍ فَهِيَ حرف لِوُجُودٍ أَوْ وُجُوبٍ لِوُجُوبٍ فَيَقْتَضِي وُقُوعَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَكْسُ لَوْ نَحْوُ لَمَّا جَاءَنِي زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ.
وَقَالَ: ابْنُ السَّرَّاجِ وَالْفَارِسِيُّ: ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ.
وَرَدَّهُ ابْنُ عُصْفُورٍ بِقَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أهلكناهم لما ظلموا}.
قَالَ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَقَعْ حِينَ ظَلَمُوا بَلْ كَانَ بَيْنَ الظُّلْمِ وَالْهَلَاكِ إِرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْذَارُهُمْ إِيَّاهُمْ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الْإِهْلَاكُ فَلَيْسَتْ بِمَعْنَى حِينَ وَهَذَا الرَّدُّ لَا يَحْسُنُ إِلَّا إِذَا قَدَّرْنَا الْإِهْلَاكَ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَ الظُّلْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ: {ظَلَمُوا} فِي مَعْنَى استداموا الظلم أي وقع الإهلاك لهم حِينِ ظُلْمِهِمْ أَيْ فِي حِينِ اسْتِدَامَتِهِمُ الظُّلْمَ وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فلما نجاكم إلى البر أعرضتم}.
وقوله: {ولما ورد ماء مدين}.
{ولما جاءت رسلنا لوطا}.
{إلا قوم يونس لما آمنوا}.
{فلما أحسوا بأسنا}.
وَأَمَّا جَوَابُهَا فَقَدْ يَجِيءُ ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرْنَا قد يَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً مَقْرُونَةً بِالْفَاءِ نَحْوُ: {فَلَمَّا نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}.
أَوْ مَقْرُونَةً بِمَا النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نذير ما زادهم}.
وبإذا الْمُفَاجِئَةِ نَحْوُ: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ منها يركضون}.
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ منه يصدون}.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}.
وَبِهَذَا رُدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ فَإِنَّ مَا النَّافِيَةَ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةَ لا يعمل ما بعدهما فيما قبلها فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا.
وَقَدْ يَكُونُ مُضَارِعًا كقوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يجادلنا} وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَاضِي أَيْ جَادَلَنَا.
وَقَدْ يُحْذَفُ كقوله: {فمنهم مقتصد} قَالَ بَعْضُهُمْ التَّقْدِيرُ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ: {مُقْتَصِدٌ} هُوَ الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ خَبَرَهَا مَقْرُونٌ بِالْفَاءِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ.
وَقَوْلُهُ: {لَوْ أَنَّ لي بكم قوة} جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَمَنَعْتُكُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كفروا به}.
قِيلَ: جَوَابُ لَمَّا الْأُولَى لَمَّا الثَّانِيَةُ وَجَوَابُهَا وَرَدَ بِاقْتِرَانِهِ وَقِيلَ: {كَفَرُوا بِهِ} جَوَابٌ لَهُمَا لأن الثانية تكرير للأولى.
وَقِيلَ جَوَابُ الْأُولَى مَحْذُوفٌ أَيْ أَنْكَرُوهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} فَقِيلَ الْجَوَابُ: {ذَهَبَ اللَّهُ} وَقِيلَ مَحْذُوفٌ اسْتِطَالَةً لِلْكَلَامِ مَعَ أَمْنِ اللَّبْسِ أَيْ حُمِدَتْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يجعلوه}.
قيل الجواب قوله: {وأوحينا إليه}. عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ زَائِدَةً.
وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَنْجَيْنَاهُ وَحَفِظْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا}.
قِيلَ: الْجَوَابُ {وَجَاءَتْهُ} عَلَى زِيَادَةِ الْوَاوِ.
وَقِيلَ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَخَذَ يُجَادِلُنَا وَقِيلَ: {يُجَادِلُنَا} مؤول بـ: (جادلنا) وكذلك قوله: {فلما أسلما وتله للجبين}.
أَيْ أَجْزَلَ لَهُ الثَّوَابَ وَتَلَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}.
فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا} يَسُدُّ مَسَدَّ الْجَوَابِ لَا أَنَّهُ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لما ظلموا}.
فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: {أَهْلَكْنَاهُمْ} يَسُدُّ مَسَدَّ الْجَوَابِ لَا أَنَّهُ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادهم إلا نفورا}.
فَإِنَّمَا وَقَعَ جَوَابُهَا بِالنَّفْيِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ زَادَهُمْ نُفُورًا أَوِ ازْدَادَ نُفُورُهُمْ.

.تَنْبِيهٌ:

يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بَيْنَ تَجَرُّدِهَا مِنْ أَنْ ودخولها عليه وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ نَاصِبُهَا قَدْ تَعَلَّقَ بِعَقِبِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ خَافِضَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَإِذَا انْفَتَحَتْ أَنْ بَعْدَهَا أَكَّدَتْ هَذَا الْمَعْنَى وَشَدَّدَتْهُ وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ قَالَ وَنَرَاهُ مَبْنِيًّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا أن جاءت رسلنا لوطا} الْآيَةَ كَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَبْصَرَهُمْ لَحِقَتْهُ الْمَسَاءَةُ وَضِيقُ الذَّرْعِ فِي بَدِيهَةِ الْأَمْرِ وَغُرَّتِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كل نفس لما عليها حافظ} عَلَى قِرَاءَةِ تَشْدِيدِ الْمِيمِ.
وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُلُّ ذلك لما متاع الحياة الدنيا}.

.(لَمَا) الْمُخَفَّفَةُ:

مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفَيْنِ: اللَّامِ وَمَا النَّافِيَةِ وَسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ مَا زَائِدَةً وَالْفَارِسِيُّ يَجْعَلُ اللَّامَ وَسَيَأْتِي فِي حَرْفِ الْمِيمِ.

.(لَنْ):

صِيغَةٌ مُرْتَجَلَةٌ لِلنَّفْيِ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَمُرَكَّبَةٌ عِنْدَ الْخَلِيلِ مِنْ لَا وَأَنْ وَاعْتُرِضَ بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَيْهَا نَحْوُ زَيْدًا لَنْ أَضْرِبَ.
وَجَوَابُهُ: يَجُوزُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَسَائِطِ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ جَازِمَةً وَقَدْ قِيلَ بِهِ إِلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ النَّصْبُ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَهِيَ لِنَفْيِ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهَا فِي النَّفْيِ نَقِيضَةُ السِّينِ وَسَوْفَ وَأَنْ فِي الْإِثْبَاتِ فَإِذَا قُلْتَ سَأَفْعَلُ أَوْ سَوْفَ أَفْعَلُ كَانَ نَقِيضُهُ لَنْ أَفْعَلَ.
وَهِيَ فِي نَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ آكَدُ مِنْ لَا وَقَوْلِهِ تعالى: {فلن أبرح الأرض}.
آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مجمع البحرين}.
وليس معناها النفي على التأبيد خِلَافًا لِصَاحِبِ الْأُنْمُوذَجِ بَلْ إِنَّ النَّفْيَ مُسْتَمِرٌّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا أَنْ يَطْرَأَ مَا يُزِيلُهُ فهي لنفي المستقبل ولم لنفي الماضي وما لِنَفْيِ الْحَالِ.
وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا تَنْفِي مَا قرب ولا يمتد مَعْنَى النَّفْيِ فِيهَا كَامْتِدَادِ مَعْنَاهَا وَقَدْ جَاءَ في قوله تعالى: {ولا يتمنونه أبدا}. بِحَرْفِ لَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ حَرْفُ الشَّرْطِ بِالْفِعْلِ فَصَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ يَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَتَى زَعَمُوا ذَلِكَ لِوَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَقِيلَ لَهُمْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ فَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ.
وَقَالَ فِي الْبَقَرَةِ: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} فَقَصَرَ مِنْ صِيغَةِ النَّفْيِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
{قل إن كانت لكم الدار الآخرة} وَلَيْسَتْ لَنْ مَعَ كَانَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ كَانَ لَا تَدْخُلُ عَلَى حَدَثٍ وَإِنَّمَا هي داخلة على المبتدأ والخبر عِبَارَةٌ عَنْ قِصَرِ الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ذَلِكَ الْحَدَثُ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِنْ كَانَ قَدْ وَجَبَ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} فَانْتَظَمَ مَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَأَمَّا التَّأْبِيدُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ تَقُولُ زَيْدٌ يَصُومُ أَبَدًا وَيُصَلِّي أَبَدًا وَبِهَذَا يَبْطُلُ تَعَلُّقُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّ لَنْ تَدُلُّ عَلَى امتناع الرؤية ولو نفي بـ: (لا) لَكَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ إِذْ لَمْ يُخَصَّ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ وَأَمَّا الْإِدْرَاكُ الَّذِي نُفِيَ بـ: (لا) فَلَا يَمْنَعُ مِنَ الرُّؤْيَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ» وَلَمْ يقل تدركون ربكم والعرب تنفي المظنون بـ: (لن) والمشكوك بـ: (لا).
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ عِبَارَةٌ عَنِ الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لَا عَنِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ ابْنُ الْخَشَّابِ.
وَقَدْ سَبَقَ مَزِيدُ كَلَامٍ فِيهَا فِي فصل التأبيد وَأَدَوَاتِهِ.
قِيلَ: وَقَدْ تَأْتِي لِلدُّعَاءِ كَمَا أَتَتْ لَا لِذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}.
وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِأَنَّ فِعْلَ الدُّعَاءِ لَا يُسْنَدُ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بَلْ إِلَى الْمُخَاطَبِ وَالْغَائِبِ نَحْوُ يا رب لَا عَذَّبْتَ فُلَانًا وَنَحْوَهُ لَا عَذَّبَ اللَّهُ عمرا.